تم التحرير بتاريخ : 2020/06/14
يعد المنهج الاستقرائي واحدا من أهم وأبرز الناهج الموجودة في البحث العلمي، ومن خلاله ينتقل الباحث من دراسة الجزء إلى دراسة الكل، ليكون بذلك عكس المنهج الاستنباطي.
والاستقراء وهي كلمة يونانية تعني يقود ، وتعني حسب التعريف اليوناني أن العقل هو الذي يقود إلى الإنسان للقيام بالتجارب والاختبارات التي تؤدي إلى اكتشاف القوانين .
ومن خلال المنهج الاستقرائي يتم جمع البيانات والعلاقات المترابطة بطريقة دقيقة من أجل الربط بينها بمجموعة من العلاقات الكلية العامة .
كما يقوم الباحث من خلاله بتعميم الدراسة الخاصة التي قام بها على الدراسة العامة المتعلقة بالموضوع .
ويتميز هذا المنهج بانتقال الباحث فيه من الجزء نحو الكل ، أو من الخاص إلى العالم ، حيث ينتقل الباحث في بحثه من الجزء إلى الكل أو من الخاص إلى العام ، فيقوم الباحث في بداية الأمر بتعميم النتائج على الجزء وبعد أن يتأكد من صحتها يقوم بتعميمها على الكل .
ويعد المنهج الاستقرائي هو المنهج الذي يعاكس المنهج الاستدلالي، حيث أن المنهج الاستقرائي يقوم بإنتاج تعليمات واسعة من مجموعة محددة من الملاحظات، بينما الأمر يكون معاكسا بالنسبة للمنهج الاستدلالي أو الاستنباطي.
ومن خلال المنهج الاستقرائي يقوم الباحث بتحويل العديد من الملاحظات إلى قواعد عامة، بينما في المنهج الاستنباطي يكون الأمر معكوسا تماما حيث تتجزأ القاعدة الكيلة إلى مجموعة من الملاحظة، واجتماع هذه الملاحظات مرة أخرى سيؤدي إلى إعادة تشكيل القاعدة الكلية.
ولقد عبر واسرتيل سمولر عن العلاقة بين المنهج الاستقرائي والمنهج الاستباطي فقال: في العلم يوجد هناك تفاعل يستمر بشكل دائم بين المنهج الاستقرائي والذي يستند إلى الملاحظات، وبين الاستدلال الاستنتاجي والذي يعتمد على أساس النظرية، ومن خلالهما نستطيع الاقتراب من الحقيقة.
وللمنهج الاستقرائي مكانة كبيرة لدى العلماء، ولدى المنهج العلمي، حيث أن العلماء يعتمدون عليه بشكل رئيسي من أجل أن يقوموا بتشكيل الفرضيات والنظريات، بينما يلجؤون إلى المنهج الاستدلالي أو الاستنباطي من أجل أن يقوموا بتطبيق هذه النظريات والفرضيات، ويتأكدوا من صحتها، لكن على نظريات وحالات محددة فقط.
ولقد تم توجيه العديد من الإشكاليات للمنهج الاستقرائي ، وكانت هذه الإشكاليات منطقية فلسفية ، ومن أبرز هذه الإشكاليات نذكر :
أ- كيف يحق للباحث أن يعمم نتيجة بحثه على كافة أفراد المجتمع الذي يدرسه في حين أنه لم يقوم بدراسة إلا جزء محدد منهم.
ب- وبأي حق يعمم نتائج دراسته على الزمن المستقبل مع أنه قام بفحص الأفراد في الفترة الحالية أو في فترة سابقة؟.
للمنهج الاستقرائي نوعين هما الاستقراء الكامل والاستقراء الناقص، ومن خلال سطور مقالنا هذا سوف نتعرف على هذين النوعين.
1- الاستقراء الكامل : أو كما يطلق عليه الاستقراء اليقيني والذي يقوم الباحث من خلاله بمراقبة جميع مفردات الظاهرة التي يقوم بدراستها ، وذلك لكي يصدر الحكم النهائي على هذه المفردات ، ويعد هذا النوع من الاستقراء بطيئا وذلك لأن يحتاج إلى وقت طويل حيث يتوجب على الباحث مراقبة الظاهرة بدقة كبيرة وحرص شديد .
كما عرف الاستقراء الكامل بأنه انتقال الذهن من الحكم على جميع الجزئيات إلى الحكم على كلية، وذلك من خلال تأكد الباحث من أن هذا الأثر هو أمر شامل ومستمر على جميع أفراد عينة الدراسة التي يقوم بدراستها.
ومن خلال هذا النوع من الاستقراء يتأكد الباحث من صحة النتيجة ويقوم بتعميمها، ومن ثم يقوم ببناء قاعدة كلية ذات أساس علمي واضح وثابت عليها.
ولكن يعمم الباحث نتيجة الاستقراء الكامل يجب أن تتوافر ثلاثة شروط، وهذه الشروط هي:
أ- يجب أن تكون نتيجة الاستقراء تم تكرار تقريرها في النصوص أو الملاحظات، أو في القواعد التي تتصل بتلك الظاهرة أو المشكلة المبحوثة.
ب- التأكيد بأن نتيجة الاستقراء قد تم تأكيد مضمونها في مواضع كثيرة، بحيث يجب أن يكون المضمون صحيحا وغير مختل، كما يجب أن لا يتغير المضمون، ولا يظهر بنفس النتيجة التي ظهر فيها في مواضع ثانية سابقة.
ت- الانتشار وهذا يعني أن ينتشر المعنى في المجالات التي تتعلق بالمشكلة أو الظاهرة التي يتم دراستها، بشرط ألا يقتصر الانتشار على باب واحد من أبواب هذه المشكلة.
إما في حال كان الجزئيات التي تم استقراؤها في قضية واحدة أو مشكلة واحدة فإن مسألة انتظام الاستقراء وتعميمه وانتشاره وشموله قد لا يكون قطعيا، وذلك لأن نتيجة الاستقراء قد تكون ظنية وغير مقطوع بها.
2- الاستقراء الناقص : أو الاستقراء غير اليقيني ، وهو انتقال الذهن من الحكم على الجزئيات إلى الحكم على الكليات، أي أن الباحث ينتقل فيه من الجزء إلى الكل.
ومن خلال هذا النوع من الاستقراء يقوم الباحث بدراسة جزء من مفردات الظاهرة ، بحيث يتناول هذا الجزء من كافة جوانبه فيحدد طبيعته ، ويقوم بوضع الأمثلة عليه ، وبعد أن يصل إلى النتيجة يقوم بتعميمها على الكل ، وعلى الرغم من شيوع استخدامه إلا أنه لا يقدم معلومات كافية ، فقد يتنسى الباحث دراسة معلومات مهمة فيه .
ومن أهم سماته أن الاستدلال به استدلال معرض للاختلال ولاحتمال سقوطه وذلك لأن الباحث لن يقوم باستقراء كافة الجزئيات، حيث أن الاستقراء الناقص لن يتيح للباحث المرور على كافة الجزئيات ليقوم بالتأكد من الأثر هو عينة في كافة الجزئيات.
1- الملاحظات : تعد الملاحظة من أهم خطوات هذا المنهج، وهي عبارة عن بيانات يقوم الباحث بجمعها تحليلها وتصنيفها ،و من ثم يلخصها لكي يساهم في إدراك المنهج الاستقرائي ، وللملاحظات نوعين :
أ- الملاحظة المقصودة : وفيها يقوم الباحث بتحديد نص أو معلومة يتوقع الباحث بأنها ستساعده في الوصول إلى وصف مناسب لمنهج البحث .
ب- الملاحظة البسيطة : هي الملاحظة التي تأتي في بال الملاحظة بشكل مفاجئ ودون تفكير مسبق ، ويطلق على هذه الملاحظة اسم الاكتشاف .
2- الفرضيات : وهي الأفكار التي يقوم الباحث بطرحها وافترضها معتقدا أنها ستقوم بوضع تفسير مناسب للمنهج الاستقرائي ، وفي العادة يقوم الباحث بوضع أكثر من فرضية لكي يقارن بينها ويختار من بينها الفرضية التي تناسب بحثه .
3- التجارب : وهي عبارة عن الاختبارات التي يقوم الباحث بإجرائها حتى يعرف مدى نسبة نجاح المنهج الذي يطبقه ضمن الإطار المخصص له .
أهمية الاستقراء
للاستقراء أهمية كبيرة وعظيمة في مناهج البحوث العلمية، فعليه يتوقف تأليف القواعد العلمية العامة والتوصل إليها، فعالم الفيزياء لن يكون بقدرته التوصل إلى قواعد علم الفيزياء حول الظاهرة الطبيعية التي يقوم بدراستها ما لم يقم بالتعرف على الظاهرة، ودراسة جزئياتها، ومن ثم معرفته بكافة تفاصيل هذه الظاهرة، ولذلك لكي يتوصل إلى القواعد العامة التي تتعلق في هذه الظاهرة.
وعالم اللغة العربية أيضا لن يكون بمقدوره أن يعطينا قواعد عامة في اللغة العربية في حال لم يكون قادرا على استقراء المفردات والجمل في استعمالاتها اللغوية المختلفة، حيث قد يكون للكلمة أكثر من معنى، وتستخدم في أكثر من موضع وفي كل موضع تعبر عن معنى مغاير للموضع السابق.
وهكذا نرى بأن أهمية الاستقراء تكمن في تزويده لنا بالقواعد العامة والتي يمكننا أن نستخدمها في التطبيقات العلمية من خلال القياس، وذلك لكي نعرف أحكام الجزئيات.
وفي الختام نرجو أن نكون وفقنا في تقديم معلومات قيمة عن المنهج الاستقرائي ، وبينا لكم أنواعه وخطوات إجرائه وأهميته .
تنسيق الرسائل العلمية